الجمعة، 11 مايو 2012

الكتاب و أهميته


الكتاب و أهميته
        إنها حكمة عالمية تختصر في أحرفها مجمل الثقافات والحضارات الإنسانية. منذ اكتشف الإنسان القراءة والكتابة، ساعده الكتاب على التفاعل مع الآخرين بأفكاره ومشاعره وقلقه وفرحه، وأيضًا عمل بفضل تلك المشاركة على تقدم علم المعرفة.        
وصدق من قال:
أعز مكان في الدنيا سرج سابح  ... وخير جليس في الأنام كتاب(1)
لأن الكتاب يعبر عن أكمل صورة متكاملة لفكرة من الأفكار أو موضوع من المواضــيع 
العلمية أو الأدبية علاوة أن للكتاب طواعية ينفرد بها عن غيره ،فأنت تستطــيع أن تــقرأه أو تتركه متى تشاء، لذلك سيظل محتفظا بمكانته كأبرز الوسائل التي يعـــتمد علـــــيها في الإقناع وتوسيع المدارك وتشكيل الآراء في سبيل الرقي العقلي والازدهــار الحضــــــاري والتقدم الاجتماعي المنشود، لهذا وذاك وجدنا للكتاب مكانة في مخيلة المبدع على العموم و المبدع العربي على الخصوص فهذا ابن دريد صاحب الجمهرة -الكتــاب المشهور- أمضـــــى ستين سنة وهو يحبر فيه و يجمعه سهرا و تعبا وعناء وبعد ذلك باعه لفــاقة وعسر في العيش وهو يردد:                                                                    
أنســت ُ به من بعد ستين حجة ً ... فيا طول شوقي بعده وحنـــــيني
وما كـنتُ أرجو أن أعيش بدونه ...ولو خلدتني في السجون ديوني
وقد تخرجُ الحاجات يا أم مالك ٍ ... نفائس من رب ٍ بهن ضـــــــنين*
    هذه العلاقة الحميمية هي التي ورثت الإنسان السبق و الظفر بأسباب التقدم والحضارة ومكنته من بلوغ أرفع الغايات وأعلى الطموحات واستطاع التمييز بين الحق و الباطل وبين الغث و الثمين ،فلولا الكتب تلك السجلات التي تسيطر فيها أعمق أفكار البشر وأروع أعماله لاضطر كل جيل إلى أن يعيد اكتشاف حقائق الماضي لنفسه لا يساعده في ذلك سوى التراث المنطوق أو المشافهة التي لابد لها من  التشويه والتحريف في روايتها وإعادة روايتها .فالكتب إذن تمنحنا وثيقة دقيقة وباقية لكل ما فكر فيه الآخرون "فالحضارة الحية الناضجة المتفتحة هي المناخ الصحيح والملائم لإبداع الكتاب الذي يولد المعرفة, وهذا الكتاب شريان عظيم الأهمية يغذي الحضارة ويغنيها ويوفر لها أسباب الديمومة والغنى"(2). وما يؤكد أن أمتنا منذ كانت معطاءة مهتمة بالعلم والعلماء، محترمة  إبداعاتهم و مؤلفاتهم ،واضعة الكتب في المنزلة الرفيعة " أن الفضل ابن سهل قال للخليفة المأمون يوما عندما وقف في مكان يشرف على غوطة دمشق: يا أمير المؤمنين هل رأيت في حسنها شبيها من ملك العرب ؟ يعني الغوطة .قال المأمون:بلى والله كتاب فيه أدب يجلو الإفهام ويذكي القلوب ويؤنس الأنفس أحسن منها."(3) وهذا الجاحظ -الذي حيكت حوله حكايات شغفه بالقراءة، حدث أبو هِفَّان قال : "لم أر قط ، ولا سمعت من أحب الكتب والعلوم أكثر من الجاحظ ، فإنه لم يقع في يده كتاب إلا استوفى قراءته كائنًا ما كان ، حتى إنه كان يكتري دكاكين الوراقين ، ويبيت فيها للنظر ." (4)بل نهمه في التهام كل ما تقع عليه يده أوصل الجاحظ إلى درجة عالية كانت نتيجته ثلاثمائة وستين مؤلفا -ذكر ياقوت الحموي في معجمه أسماء ثمانية و عشرين منها- كتب هذا كلّه بقلم ساحر، وإبداع فني رائع، فجمع بذلك إلى الإحاطة والشمولية، الإجادة والعمق وأظهر لنا في مؤلفاته عبقرية فذة، وذكاء نادر، وعقلاً يبهر، وإحاطة تدهش- ترك لنا قولة جليلة تدلل على أهمية الكتاب أورده في (الحيوان) يقول فيها: " والكتاب هو الجليس الذي لا يطريك، والصديق الذي لا يقليك، والرفيق الذي لا يَمَلَّك، والمستميح الذي لا يؤذيك، والجار الذي لا يستبطئك، والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك بالملق، ولا يعاملك بالمكر، ولا يخدعك بالنفاق... والكتاب هو الذي إن نظرت فيه أطال إمتاعك، وشحذ طباعك، وبسط لسـانك، وجوَّد بيانك، وفخَّم ألفاظك، وعمَّر صدرك، وحباك تعظيم الأقوام، ومنحك صداقة الملوك، يطـــيعك فـــي الليل طاعته بالنهار، وفي السفر طاعته فـي الحضر، وهو المعلم الذي إن افتقرت إليه لـم يحقرك، وإن قطعت عنه المادة لم يقطع عنك الفائدة، وإن عزلت لم يدع طاعتك، وإن هبَّت عليك ريحُ أعدائك لم ينقلب عليك، ومتى كنت متعلقاً به، ومتصلاً منه بأدنى حبل لم يضرك منه وحشة الوحدة إلى جليس السوء، وإن أمثل ما يقــطع به الفـراغ نهـــارهم وأصحــاب الكفاية ساعة ليلهم نظرة فـي كتاب لا يزال لهم فيه ازدياد أبداً فـي تجربة وعقل ومروءة وصون عرض وإصلاح دين ومال ورب صنيعة وابتداء إنعام." بهذه الروح العلمية المثالية أحب أسلافنا القراءة وهاموا بها حتى كان ضياع الأموال والمكاسب أهون على أحدهم من ضياع الكتب أو تلفها." هجم الجنود مرة على دار ابن العميد ... واشتغل قلبه بدفاتره وكتبه , ولم يكن شيء أعز عليه منها,وكانت كثيرة تشمل جميع العلوم... فلما رأى ابن العميد خازن مكتبته سأله عنها فأجابه:هي بحالها لم تمسها يد,فسري عن ابن العميد, وقال لخازنه: أشهد أنك ميمون النقيبة، أما سائر الخزائن فيوجد عنها عوض وهذه الخزانة –أي مكتبته- هي التي لاعوض لها"(5)                                                              
       لذلك وجب علينا نحن أمة اقرأ أن نقرأ -ويكفي تدليلا على أهمية القراءة في الإسلام أن أول آية نزلت من القرآن الكريم ابتدأت بكلمة 'اقرأ' ونسبة لذلك سميت الأمة الإسلامية بأمة 'اقرأ' وفي إطار برنامجه الرامي إلى القضاء على الأمية وتعميم القراءة بين المسلمين,جعل الرسول صلى الله عليه وسلم فدية الأسير من المشركين تعليم عشرة من أبناء المجتمع الإسلامي-فالكتب على رفـوفها كائنات خرساء ،تــــحتاج إلى من يحـاورها ويجـــادلها لتحيا ونحيا قالها سقراط قديما «الكتب الموجودة على رفوفي لا تعرفني إلى أن افتحها، ومع هذا فإنني مقتنع بأنها تخاطبني بالاسم، إنها تنتظر تعليقاتنا وآرائنا».(6)  فعادة القراءة تنمي حواس الإنسان جميعا وتعمل علـــــى إيقاظ فكره وتحفيز تطلعاته إلى ما هو أرقى و أعمق ،فلو تجرد منها فسيبقى عقله صغيرا.                                      ولاشك أن القراءة هي الوسيلة الأولى للتحصيل وكـــسب المعـــلومات ،فإذا كان لكـــسب المعلومات أكثر من طريق ،فان أنصعها و أجلها القراءة فما يكسب بطريق المطالعة أكثر مما يكسب بالتجربة أو المشاهدة أو الاستماع . وكيف لا وهو الزاد الفكري والمعنوي الذي ُيشعر قارئه بنشوة لا تدانيها نشوة وهو حبل الوصال الاجتماعي بين الأفراد فقد عبر ذلك أحد الفلاسفة بقوله :"إذا امتنعت عن القراءة ثلاثة أيام, لا أحسن محادثة الناس " وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن الإنسان بحاجة مستمرة لصقل مواهبه بمزيد من المعرفة والقراءة والإطلاع.                                                                      


                                                          
الهوامش
* وقال ابن خلكان في ترجمة الشريف المرتضى أبي القاسم علي بن الطاهر ت (436) في كتابه: (وفيات الأعيان): (4/ 165). حكى الخطيب أبو زكريا يحيى بن علي التِّبْريزي اللغوي، أن أبا الحسن علي بن أحمد ابن علي بن سلَّك الفالي الأديب، كانت له نسخة بكتاب ((الجمهرة)) لابن دُرَيْد في غاية الجَوْدَة، فدعته الحاجة إلى بيعها فباعها، واشتراها الشريف المرتضى أبو القاسم -المذكور- بستين دينارًا، وتصفَّحها فوجدَ بها أبياتًا بخط بائعها أبي الحسن الفالي، وهي:
أنِسْتُ بها عِشرينَ حولاً وَبِعْتُها * * * لقد طالَ وَجْدي بعدَها وحنيني
وما كان ظَنِّي أَنَّني سأَبيعها * * * ولو خلَّدتني في السجون ديوني
ولكن لضعفٍ وافتقارٍ وصِبْيَةٍ * * * صِغارٍ عليهم تَسْتَهِلُّ شُؤوني
فقلتُ ولم أَمْلك سوابق عَبْرةٍ * * * مقالة مكويِّ الفؤادِ حَزِينِ:
وقد تُخرجُ الحاجاتُ يا أمَّ مالكٍ * * * كرائمَ من ربٍّ بهنَّ ضنينِ

1-ديوان المتنبي،تحقيق :عبد الوهاب عزام (لجنة التأليف والنشر، الطبعة الأولى ،1944).            
2-الكسندر ستيبتشفيتش ،تاريخ الكتاب،ترجمة: د. محمد م. الأرناؤوط(الكويت:عالم      المعرفة،يناير 1998،العدد:169).                                                   
3-ابن عساكر علي بن الحسن بن هبة الله،تاريخ مدينة دمشق ،تحقيق:محمد بن غرامة  العموري(دمشق:دار الفكر،الطبعة الأولى ،1998م)                                   
4-ياقوت الحموي،معجم الأدباء،إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب ،ج16(بيروت:دار      دمشق،دط،دت)ص75.                                                                     
5-مصطفي السباعي،من روائع حضارتنا(مصر:دار السلام للطباعة و النشر و التوزيع،الطبعة الأولى،1998)                                                                                          6 -مقولة شهيرة للكاتب البرتغالي الشهير خوسيه ساراماغو.                                          







الأربعاء، 9 مايو 2012

جمال الغيطاني والرواية الصوفية مقاربة في رواية التجليات

جمال الغيطاني والرواية الصوفية مقاربة في رواية التجليات

الدكتور وذناني بوداود
جامعة الأغواط
تجب الإشارة من البداية إلى أن هذه المداخلة لا تدعي لنفسها الإحاطة بكل وقائع النص، كما أنها لا تدعي تقديم قراءة تحيط بظاهر النص وباطنه. لذا فهي محض اجتهاد قد يصيب وقد يخطئ وقد يصل إلى الحقيقة التي يقوم عليها النص وقد تبتعد. فهي تقف عند محطات بعينها تحاول أن تقيم مقاربة للنص في حدود ما يسمح به من بوح بأسراره لأننا نعلم بأن أي نص أدبي ومهما كان جنسه لا يفصح عن مكنوناته للقارئ بسهولة ومن يدعي الإحاطة فقد أخطأ وابتعد وجانب الصواب، وعلى ضوء ما قلناه نحاول مقاربة نص (التجليات) لجمال الغيطاني بوصفه عملا متميزا يمتح من الخطاب الصوفي تقنيته وأبعاده ومراميه، في نفس الوقت الذي يعمل فيه على التماهي معه في نص واحد ظاهره تصوف وباطنه سرد روائي.
يقول "فيليب سولرس Philippe Sollers" (إن الأثر الأدبي العظيم يتنفس برئة الدين)(1) وهي حقيقة يؤكدها البحث العلمي، فمنذ أن بدأ الإنسان يعي سلطة الكلمة الجميلة التي تسعده في التعبير عن تعلقه بخالقه، ووصف عظمته وتجلياته في كونه، بدأ ينظم الأناشيد الدينية، والتعابير الإيمانية، وهو ما يثبت تلك الفطرة التي فطر عليها الإنسان منذ أن خلق وهي فطرة التدين التي تلازمه في كل زمان ومكان وهو ما يؤكد لا محالة تأثير الدين في كل ما يبدعه الإنسان نظرا لنفوذ المعتقد في حياته. وما دام أن الأدب هو إبداع إنساني يحمل مشاعره واحساساته فإن ذلك يحتم ارتباطه بالدين. ومن هنا ظل الأدب مرتبطا بالدين منذ ولادته لأنه المنبع الأول للأدب ففي ظله ولدت الأجناس الأدبية كلها وفي كنفه نمت وتطورت، ولا زالت تلك العلاقة قائمة إلى اليوم. فقد دلت البحوث العلمية بأن الأديب الأول كان هو الكاهن نفسه. لذا بقيت بصمات الدين موجودة في النصوص الأدبية عبر كل العصور وهو ما ذهب إليه الدكتور عز الدين إسماعيل عند ما أشر إلى أن الأدب في العالم أجمع ظل (مرتبطا بالعقيدة الدينية على مدى عصور طويلة، حتى إذا كنا في العصور الحديثة ولم يعد للسلطة الدينية وجهها الجماعي القديم، وراح الإنسان يبحث عن عقيدة أخرى، وظل هكذا ينتقل من عقيدة إلى أخرى، ومن ثم لم تخل أعماله الفنية في أي وقت من أن يكون تعبيرا عقيدة أيا كانت هذه العقيدة)(2) وهو ما يؤكد علاقة الأدب بالدين، فالأدب يستمد من الدين قوته التعبيرية والتأثيرية.
لأن منظومة الفكر الديني تمتاز (بمحافظتها على العلاقة بين الغيب والواقع غضة طرية لتشبع تطلع الإنسان وأشواقه)(3) فكل من الدين والأدب، يسعى لإعطاء مفهوم لوجود الإنسان في هذا الكون، ولكن ذلك لا يعني ذلك وضع النصوص الأدبية في درجة المساواة مع النصوص الدينية من حيث تناول كل منهما لحقيقة الوجود، والكون وطبيعة الإنسان والزمان والمكان. فارتباط النص الديني بالخالق تجعل منه نصا مقدسا يحمل أسرار الكون، أما محدودية أفق النص الأدبي لارتباطه بالإنسان تجعل منه وقد لمح صلاح عبد الصبور إلى ذلك بقوله : (إن مسؤولية الإنسان هي أن يشكل الكون وينقيه في نفس الوقت، وليس سعيه الطويل إلا محاولة لغلغلة العقل في المادة، وخلق كل منسجم متوازن يقدمه بين يدي الله في آخر الطريق، كشهادة استحقاق لحياته على الأرض)(4).

الرواية العربية وإشكالية التراث الصوفي :
إذا كانت الذات الإنسانية تجد في كل من الفن والتصوف تعويضا لها عن همومها اليومية، باعتبار أن الفن هو وسيلة للبحث عن حلم مفقود تعمل الذات الإنسانية جاهدة من اجل بلوغه، فإن التصوف هو كذلك وسيلة للبحث عن الحقيقة المطلقة في عالم الغيب، وبذلك فكلاهما يلبي حاجة في نفسية الإنسان. ومن هنا جاءت أهمية التراث الصوفي في الحياة المعرفية للإنسان، وخاصة في الأدب نظرا لصلته بحياة الإنسان الداخلية والخارجية، فالتجربة الأدبية لا تختلف كثيرا عن التجربة الصوفية، فكلاهما يحاول أن يمس بخطابه بواطن الذات الإنسانية، ويعبر عن مكنوناتها وخلجاتها، وروحانياتها، وهو ما دفع بأحد الباحثين العرب إلى القول (إن الصوفية لم تؤثر في الشعر العربي المعاصر فقط بل أثرت في معظم الآداب الـعالمية القديمة منها والحديثة.)(5) وإن كان الشاعر العربي في العصر الحديث سباقا للأخذ من التجربة الروحية الصوفية نظرا للتقارب الحاصل بين التجربة الشعرية والتجربة الصوفية فـ (التجربة الصوفية والتجربة الفنية تنبعان من منبع واحد، وتلتقيان عند نفس الغاية. وهي العودة بالكون إلى صفائه وانسجامه)(6). وهذا التقارب أدى إلى استلهام الشعراء للتجربة الصوفية حتى غدا النص الشعري في بعض الأحيان تماهيا مع النص الصوفي في لغته ورموزه ودلالاته، وهو ما يبرهن عن العلاقة القوية بين الشاعر والصوفي.
أما الروائي العربي فبدوره لم يتأخر في الأخذ من التراث الصوفي، فقد أدرك الروائي العربي أثناء ممارسته لعمله الروائي دور تلك الدلالات التي تتولد من استدعاء الخطاب الصوفي داخل الخطاب الروائي، خاصة وأن الخطاب الروائي يتوفر على فضاء أوسع يسمح له بتوظيف تلك المعرفة الباطنية ورسم المشاهد والشخصيات، والتوسع في الحوار، والتنوع في استعمال اللغة.
لذا كان انفتاح الخطاب الروائي العربي على الخطاب الصوفي، وهو ما يؤكد مدى ارتباط الأدب بالدين. فمنذ أن ظهرت الرواية العربية الفنية، وهي مشدودة إلى الأثر الصوفي بطريقة أو بأخرى، ولكن مع تطور الرواية العربية بدأ هذا الاهتمام يتزايد أكثر فظهرت نصوص روائية تهتم بالشأن الصوفي، مثل روايتي [اللص والكلاب وليالي ألف ليلة] لنجيب محفوظ، وروايتي [عرس الزين ومريود] للطيب صالح وغيرها من الروايات العربية.
إلا أن ذلك الاهتمام قد طرح إشكالا بسب طبيعة الخطاب الصوفي الذي يتأسس من منطلق جدلية الظاهر والباطن، والعقل واللاعقل، ويتهم بأنه خطاب غير تواصلي حيث تتلاشى فيه الوظيفة الإخبارية القائمة على التبليغ، وبذلك فهو يغيب الآخر. ووظيفة الخطاب الروائي الذي يتأسس من منطق جدلية الظاهر المادي وما يفرزه من تناقضات، ويقوم على حضور الآخر. وهذا الإشكال يتلخص في كيفية التوفيق بين التجربتين ؟
إذا كانت التجربة الصوفية، تجربة وجدانية لا تنبثق عن العقل الواعي للذات الإنسانية، وإنما تقوم على تلك المنزلة الروحية التي يصل إليها الصوفي عندما يبلغ درجة الفناء التام، أي التلاشي النهائي في الذات الإلهية بواسطة العشق لأن (التجربة الصوفية تحتاج إلى إنكار الفاعلية العقلية أو انعدامها، ومن ثم الانصراف إلى شيء كثير من الوجد والحب وهو من أقوى النزعات الروحية في الإنسان.)(7) إذن فالتجربة الصوفية هي نشاط روحي يحدث في غياب النشاط العقلي، لحظة الفناء، والتي لا يرى أثناءها الصوفي في الوجود غير الحق فيحدث الانفصال التام عن الواقع والاتصال الكلي بالمحبوب.
فإن التجربة الروائية هي تجربة تقوم على العقل الواعي المدرك لما يدور في الواقع المعيش، محاولة القبض على مجرياته داخل النص الروائي، وهي تبعا لذلك تعد تجربة ذاتية واعية للكاتب. تعمل على ربط الذات الإنسانية بالعالم وقوانينه الاجتماعية والسياسية. وعليه فالعالم الروائي لا يمكن تأسيسه خارج الواقع الحقيقي، وإلا أصبح وهما، والوهم لا يلتقي مع الحقيقة الإنسانية.
وعلى الرغم مما يلاحظ من تباعد كبير بين التجربتين، فإن فك هذا الإشكال يتطلب البحث في طبيعة كل منهما، وبعد ذلك تتضح العلاقة التي يمكن أن تحدث بينهما. وعليه فطبيعة الخطاب الصوفي وما يحمله من احساسات إنسانية، تكشف عن معاناة الذات البشرية وهي تتعلق بتلابيب الحب قصد الوصول إلى الارتواء من ذات المحبوب، وطبيعة الرواية التي تحاول رصد حقيقة الإنسان في الوجود بطريقة أو بأخرى، تجعل المسافة بينهما قصيرة. لأن فهناك خيطا رفيعا يربط بينهما، وهو سعي كل من الصوفي والروائي، للوصول إلى الحقيقة، الحقيقة المطلقة بالنسبة للصوفي، وحقيقة الوجود بالنسبة للروائي، وأن كلا منهما يحاول أن يقدم للذات الإنسانية ما ينفعها في وجودها، فكلاهما يشارك الإنسانية في همومها محاولا التخفيف من تلك الهموم. لذا جاء توظيف التراث الصوفي من طرف الروائي، وبعثه من جديد في الخطاب الروائي بكل ما تحمله من معرفة روحية، رمزية غيبية، لأن هناك (وعيا يسعى إلى أن القيم الصوفية يمكن أن تكون ارتباطا بقضايا المجتمع وحلولا فيما نواجهه من القضايا التي نتعرض لها)(8) .
يعد جمال الغيطاني من أبرز الروائيين العرب الذين اهتموا بالتراث الصوفي، وشخصياته إلى درجة التماهي معها، حيث جسد ذلك في بعض أعماله الروائية وخاصة كتاب التجليات الذي يعد فتحا جديدا في عالم الرواية العربية المعاصرة ، و(طموحا إلى خطاب روائي ذي خصوصية عربية تراثية)(9) .
فقد استفاد كثيرا من قراءاته للمدونات الصوفية وخاصة ما كتبه الشيخ ابن عربي مما مكنه من إبداع نصوص تتقاطع مع تلك النصوص الصوفية وأكبر دليل على ذلك [كتاب التجليات] فهو عبارة عن رواية يتداخل فيها الواقع مع التاريخ مع الشطح الصوفي مع الأسطورة، لبناء عالم عجيب غريب. يقول (روبرت شولز R. Shouls) : (ترفض بعض الأعمال أن تنفـتح لنا حتى ننضـج بما فيه الكفاية)(10) ينطبق هذا القول على تجليات الغيطاني، فهو خطاب لا ينفتح بسهولة على المتلقي نظرا لما يحمله من إشارات ورموز يصعب فك كنهها ومعرفة مقاصد معناها، فهو عمل يرفض الانفتاح أمام المتلقي الذي لا يمتلك ثقافة واسعة ومعرفة كافية بآليات النسق المعرفي الصوفي، فالمتلقي الفارغ الذهن من المعرفة الصوفية لا يمكنه الوقوف على مقاصد ذلك الخطاب. فالغموض فيه يرتبط بما يحمله من معرفة باطنية ترتبط بالمطلق. وتتوسل بالمعرفة الصوفية لبلوغ نهاية القصد والوقوف على أبواب أسرار الكون، ومن هنا فكتاب التجليات يحتاج إلى فهم خاص لخلفياته ومعرفة عميقة بآليات بنائه. نظرا لقوانينه واستراتيجياته المعقدة التي تميزه عن غيره من الخطابات الروائية الأخرى، وصدق أبو حيان التوحيدي في قوله (إن الكلام على الكلام صعب)(11)، فقد استطاع الغيطاني باستلهامه للمعرفة الصوفية أن يكون نسقا معرفيا انبجس من عالمه الباطني، يؤسس لوحدة المتناقضات، الظاهر- الباطن. حيث نجد أن إشكالية [الباطن - الظاهر] تعد من أهم خصائص الخطاب الصوفي.
وقد استشعر الكاتب من البداية تلك الصعوبة التي سيواجهها المتلقي أثناء مواجهته لكتاب التجليات نظرا لتقنيته الجديدة، ونوعية شخصياته، أضف إلى ذلك تلك اللغة الخاصة المستمدة من التراث الصوفي، مما دفعه إلى تنبيه المتلقي إلى تلك الصعوبات التي يمكن أن تواجهه في فهم التجليات (هذا كتاب لا يفهمه إلا ذوو الألباب، وأرباب المجاهدات)(12) بهذه الحقيقة يواجه الكاتب المتلقي، زاعما أن ما جاء في تجلياته يتطلب معرفة خاصة، تتجاوز معرفة العقل إلى معرفة الباطن، وهو ما أراد تجسيده من خلال عمله، فالعمل هو أصلا مستوح من التراث الصوفي، وخاصة رسائل الشيخ ابن عربي، فالرحلة الخيالية التي يدور حولها مضمون الرواية قد تمت في لحظة غياب النفس عن ما يحدث في الواقع المعيش، وحدث لها أثناء ذلك ما يشبه المعراج الروحي، فتجلياته هي معراج روحي نابع من ذاته وعائد إليها.
ويحاول الغيطاني من البداية أن يبرر انجذابه نحو التراث الصوفي واختياره للغة الصوفية، وانغماسه في أحوالهم والسير في طريقهم (وفجأة، عند ساعة يتقرر فيها الفجر،صاح بي الهاتف الخفي)(13) بهذا المنطق يحاول الراوي أن يزيح اللبس عن ذاكرة المتلقي موضحا تلك اللحظة التي فاجأه فيها الهاتف، وما ترتب عن ذلك من حالات نفسية، لم يتعود عليها الراوي من قبل، (عند اللحظة التي يتقرر فيها الفجر وليال عشر، خفق قلبي في صدري خفقة كاد ينخلع منها، هلعت، ولم ألم نفسي، إن الإنسان كان هلوعا، خاصة إذا جاءه الهاتف الذي لا يأتي إلا في اللحظات الجسام لينبئ بالجلل من الأمور، أو لينذر بأمر عظيم، لكنه لا يبوح، لا يفصح، بعد أن تماسكت، ولممت نفسي، وهدأت روحي، جاءني صوت عجيب، غريب، مجهول المصدر، فكأنه صدر من الجهات الأربع الأصلية)(14) فعن طريق هذا الطرح الغامض يحاول أن يوهم المتلقي بأن ما حدث له هو أمر خفي غيبي لا طاقة له به، وأن حالته تلك تشبه حال السالك لحظة مواجهته للهاتف الغيبي. لكن تلك التجليات قد حدثت للراوي وهو في حالة منام لأن (النائم يرى ما لا يراه اليقظان)(15).
وبهذا العمل الفني تمكن الغيطاني من اقتحام عوالم الخفاء والغيب وما وراء الواقع، عوالم خارجة عن سلطة الزمان، ومحدودية المكان، ومملوءة بالسحر والعجائب. تجللها الروحانيات، ويتحكم في مسارها رجال الصوفية من أولياء وأوتاد وأقطاب ومن لف لفهم. وعليه جاءت تجلياته عبارة عن رحلة معراجية خيالية متأثرة بالمعراج الروحي لدى الصوفية. وخاصة الشيخ ابن عربي في كتابه [الأسرا] ويقوم الراوي بذلك المعراج الخيالي الذي تتجلى له فيه شخصيات دينية كثيرة من أهمها شخصية الحسين بن على وشيخ العارفين الشيخ ابن عربي، فهي شخصيات تتوافق وطبيعة الرحلة التي يقوم بها الراوي في عالم الغيب، من هنا كان ولا بد أن يكون الدليل عالما بأحوال ذلك العالم، لذا جاءت أحداث الرواية تدور في فضاء ديني متخيل يغلب عليه الجو الأسطوري السحري، مما يجعلنا نصنف هذه الرواية في خانة الرواية الصوفية نظرا لشخصياتها الدينية، وهيمنة التراث الصوفي عليها، ويؤكد ذلك تلك المصطلحات الصوفية التي اعتمدها الكاتب في نسج عمله حتى ليخيل للقارئ أنه يقرأ كتابا في التصوف بدل رواية، مما أحدث تقاطعا وتداخلا بين الخطاب الصوفي والخطاب الروائي، فالملاحظ على الألفاظ المستعملة في هذا العمل الفني، أنها مزدوجة الدلالة فظاهرها يلامس الواقع، وباطنها يغيب في روحانيات الغيب والتصوف. إن معايشة الغيطاني الطويلة للتراث الصوفي جعلته يدرك مدى العلاقة التي تربط بين المعرفة الصوفية - وما تحمله من أبعاد روحية وإنسانية - والسرد الروائي الذي يعمل على نقل هموم الإنسان، والكشف عن طبيعة الصراع الذي يخوضه في حياته اليومية، فكلاهما يعمل على نقل معاناة الإنسان.
وبذلك (قدم لنا في تجلياته عملا إبداعيا حقا، يمتح من أعرق مصادرنا التراثية، ويتضمن موقفا إيجابيا مع هذا من حقائق واقعنا المباشر الحي.)(16) فهو يعود للتراث من أجل كشف وتعرية سلبيات الحاضر، لأن الحاضر في نظره لا يقوم إلا على أسس متينة من معرفة الماضي، وخاصة إذا كان الأمر يتعلق ببناء مستقبل أمة مثل الأمة العربية التي يحمل ماضيها أعظم صفحات تاريخها المشرق.
إن الوعي المعرفي الذي يحكم جوانب النص ينطلق من المرجعية الصوفية المبطنة بأسرار الباطن. فهي معرفة تحاول أن تقدم الأشياء من منظور الرؤيا الصوفية التي مصدرها عالم الغيب. فقد أظهر الكاتب مقدرة كبيرة في التقريب بين تلك المرجعيات التي استلهم منها مادة نصه، دون أن يحدث ذلك خللا فيه. إن انجذاب الغيطاني إلى عالم التصوف يعرب عن حقيقة مفادها أن الروح الصوفية المتمردة على المألوف والمتعالية على الواقع المعيش لا زالت ترسم المشهد الحياتي للذات العربية، مادام الزمن العربي يعيش الظلم والتسلط والقهر وإقصاء الآخر.
إن محاولة الغيطاني دخول فضاء الكتابة الصوفية يدل على أنه قد التفت إلى تجربة مغايرة لا يعرفها إلى أصحابها وهم بالطبع رجال التصوف. فالنفاذ إلى عمق تلك المعرفة ليس بالأمر السهل لما يكتنفها من غموض لا يفصح عن نفسه لمن يأتي من خارج فئة السالكين والواصلين. فذات الراوي تتجلى في فضاء خيالي لا حدود له للقبض على المشهد الحياتي في حركتها وسكونها، وبذلك تتحقق الولادة المرتقبة، في عالم التخييلي ترتسم صورة أخرى للحياة أكثر وضوحا وأكثر تعبيرا عن حقيقة ما يجري في الواقع المعيش. مما يغري بالاندماج في حركة الكون اللانهائية فذات الراوي لا يمكنها إلا أن تواصل تجلياتها في الفراغ أو سفرها في داخلها وفي هذا الكون التخييلي. مما جعل المشهد الذي يرتسم في التجليات مشهد شفاف يبتلع أزمنة كثيرة وحوادث عديدة وذوات متجانسة وأخرى متناقضة.
يستمد الغيطاني فلسفة وضع العناوين في [كتاب التجليات] من شيخه ابن عربي فهو مثل شيخه مغرم بالعناوين إلى درجة كبيرة، وعندما نقارن بين العناوين التي وضعها الشيخ ابن عربي لرسائله والعناوين التي وضعها الغيطاني لتجلياته نجد بأن هناك تناسخ فيما بينها بحيث أن جل عناوين الغيطاني مأخوذة من عناوين شيخه، وبهذا الصنيع يكون الغيطاني قد خرج في تجلياته عن المألوف في وضع العناوين، ومقاربة هذه العناوين تجعل المتلقي يقف على مدى غوص الغيطاني في عالم التصوف.
فالناظر في العنوان الذي وضعه الغيطاني لروايته يجد نفسه مباشرة أمام إشكالية التأويل لأنه يجد نفسه وجها لوجه أمام مصطلحات تدفعه للخوض في المعرفة الصوفية : فالكتاب عندما وضع العنوان التالي [كتاب التجليات الأسفار الثلاثة] فهو بذلك يصرح بتمرده عن ما هو مألوف في الكتابة الروائية والقصصية، ويعلن عن دخوله في مغامرة جديدة مع المصطلحات الصوفية، فعندما نحاول تشريح العنوان للوقوف على خلفياته من خلال قراءة متأنية فإن أول ما يلفت النظر فيه أن العنوان مستنسخ من عناوين كتب الشيخ ابن عربي فللشيخ كتاب بعنوان [كتاب التجليات] وكتاب أخر بعنوان [كتاب الأسفار] ومعنى ذلك أن الغيطاني حاول أن يجرب في نصه هذا تقنية الكتابة الصوفية لعلها تنير النص الروائي وتعطيه أبعادا رمزية لا يمكنه أن يتوفر عليها بدون التماسها في الكتابة الصوفية الغنية بذلك وخاصة مؤلفات الشيخ ابن عربي. فكلمة [كتاب] "في العنوان لا تحيل على جنس بعينه، (وإنما) هي مشدودة إلى تقليد كتابي تواتر في عناوين مصنفات بعض الصوفية نذكر منها (كتاب المواقف والمخاطبات) للنفري، و(كتاب التجليات) و(كتاب الأسفار) لإبن عربي" وبذلك فالعنوان على هذا الشكل ينتسب إلى نسق ثقافي عرف برمزيته وتجاوزه لما هو مألوف ومتداول بحجة امتلاك المعرفة الباطنية التي تخول لصاحبها النفاذ إلى عمق الأشياء والكائنات لأنها معرفة موصولة بالخالق. ولذلك جاء العنوان ساحرا غريبا وغير مألوف مثل عناوين الشيخ ابن عربي في كتبه.
وعندما نتجاوز كلمة [كتاب] إلى كلمة [التجليات] المسندة إليها فإننا نجد أنفسنا أمام مجموعة من المعاني التي وضعها المتصوفة لهذه الكلمة، فمصطلح التجلي له أهميته عند رجال التصوف. يعرفه الإمام الغزالي بقوله : (التجلي : هو ما ينكشف للقلوب من أنوار الغيوب)(17)، إذن فالتجلي في عرف المتصوفة هو ما ينكشف للصوفي في لحظة المكاشفة، بينه وبين ربه. أما الغيطاني فهو يحاول من خلال هذا المصطلح أن يؤكد مدى استحضاره للحالة الصوفية، وقد هيمن هذا المصطلح على جزء من النص، فهو الذي يشد خيوط أحداثه، وينعكس ذلك جليا في لغة النص. فقارئ التجليات يجد نفسه أمام نص غامض غموض النصوص الصوفية، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل يتجاوز ذلك إلى التداخل الحاصل بين كلام الكاتب وكلام بعض رجال التصوف، دون الإشارة إلى ذلك من طرف الكاتب.
وذلك التداخل هو الذي جعل الكاتب يكثر في نصه من العجائبية والغرائبية مما يضع المتلقي في مواجه راو يتوشح بوشاح البطولة الأسطورية، يتحد الواقع المتردي المسلط عليه من أجل تحقيق ذاته، يتم ذلك من خلال رحلة معراجية في عالم سحري أسطوري. أما عالم المقامات فإن الوصول إليه لا يتم في عرف المتصوفة، إلا عن طريق الرياضات الروحية، فإن الغيطاني قد اتخذ لبلوغ مقاماته شخصيات واصلة لتأخذ بيده من أجل الوصول إلى مقاصده. وذلك الفعل كان وراء حضور الذوات الأخرى في نفسية الراوي مما جعل وعيه الإيماني يتطور بتطور أحداث الرواية.
أما الشطر الثاني من العنوان : [الأسفار الثلاثة] فهو مرتبط بما قبله فالأسفار في عرف مشايخ التصوف وحسب ما يوضح ذلك الشيخ ابن عربي ثلاثة (أما بعد فإن الأسفار ثلاثة لا رابع لها أثبتها الحق عز وجل وهي سفر من عنده، وسفر إليه، وسفر فيه، وهذا السفر فيه هو سفر التيه والحيرة فمن سافر من عنده فربحه ما وجد وذلك هو ربحه، ومن سفر فيه لم يربح سوى نفسه، والسفران الأولان لهما غاية يصلون إليها ويحطون عن رحالهم، وسفر التيه لا غاية له، والطريق التي يمشي فيها المسافرون طريقان طريق في البر وطريق في البحر)(18)، ومن الصدف أن كتاب الأسفار في رسائل ابن عربي مرتب بعد كتاب التجليات. بحيث أن الغيطاني لم يبذل كبير جهد في وضع عنوان لكتابه على ذلك الشكل. والسفر في المفهوم الصوفي غير السفر كما متعارف عليه بحيث نجد هذا المصطلح يتوزع عندهم إلى معاني ودلالات أخرى لا نجد لها مثيلا في غير المعرفة الصوفية. ومثل ما يقال على عنوان الرواية يقال على العناوين الأساسية والفرعية كـ [المقامات] و[الأحوال] والعشرات من العناوين الفرعية التي تحمل صفة الصوفية.
إن نص التجليات يفاجئ المتلقي بتلك اللغة الصوفية المملوءة بالرموز والإشارات، إلى جانب سريان الروح الصوفية في كل مناحيه، فاللغة الصوفية تتجلى في جسد النص هنا وهناك، حتى يتوهم المتلقي وكأنه أمام نص صوفي، وليس نص سردي، وهو ما يؤكد مدى استفادة الغيطاني من قراءته للتراث الصوفي وخاصة كتابات ابن عربي وغيره من رجال التصوف وإعجابه بما تركوا من أثار في المعرفة الصوفية، دون أن يؤدي به إلى حدوث خلل ما في عمله الفني. فلا يحتاج قارئ تجليات الغيطاني إلى جهد كبير لفك إشكالية مصدر تلك النصوص الغريبة التي تواجهه من حين لآخر، فمع مباشرة القراءة ينتابه إحساس قوي بأن ما يقرأه يخرج من مشكاة الصوفية.
والمتلقي لكتاب التجليات يلاحظ من البداية ذلك الاستهلال الذي افتتح به الكاتب عمله والذي يجعل المتلقي يتوهم أنه يقرأ كتابا في التصوف وأن صاحبه هو من السالكين لا غير. يقول بعد البسملة : [عفوك، ورضاك، يا غفور، يا كريم يا رب] : (فلما رجعت بعد أن لم أستطع صبرا، وكيف أصبر على ما لم أحط به علما، لما اكتمل إيابي، فرغت إلى نفسي استعيد واستريح بينما زمن المحن يلوح ويبدو، صرت في بوار، لا تطمئن، بي دار، ولا يستقر لقراري قرار، صرت متحركا وساكنا، بعد أن كنت أشبه بطير ن أطير من غصن إلى غصن، والغصن الذي انطلقت منه هو الذي يطير عني... رجعت بعد أن كنت الطالب والمطلوب، والعاشق والمعشوق، فلم يكن رحيلي إلا بحثا عني ولم تكن هجرتي إلا مني وفي وإلي، كدت أصل إلى أصلي، كدت أنفذ إلى أسرار النار والنور والليل والنهار والشمس والقمر والبرق ونسيم الصبا وخلق الندى والرجع والصدى والغايات وسلمى وليلى واختفاء الشفق وتعاقب الفصول،كنت قاب قوسين أو أدنى، لكن غشى عيني ما يغشى، لم أستطع صبرا، وكيف أقدر على ما لم أحط به خبر… وفجأة ، عند ساعة يتقرر فيها الفجر، صاح بي الهاتف الخفي… يا جمال… انتبهت، فإذا بنو ساطع يشرق في ليل نفسي، نور ليس مثله مثل حتى ظننت أني عدت إلى مركز الديوان البهي… ولكن بعد أن فهمت الأمر وأدركت البشارة، وانحسر النور، ذهبوا عني، غير أني امتثلت، فعكفت على إعادة تدوين ما كتبت، فكان هذا كتاب لا يفهمه إلا ذوو الألباب، وأرباب المجاهدات)(19). فهذا الخطاب المنغرس في الأنا يفصح عن حقيقة أمره، وعن هدفه ومقصده، وليؤكد بأن الكتابة الصوفية يمكنها أن تكون أداة طيعة في يد الروائي إذا ما تمكن من الفهم والإبحار في عالم التصوف.
ويقف على حقيقة مفادها أن الغيطاني يستنسخ بعض كلامه من نصوص الشيخ ابن عربي. يقول الشيخ ابن عربي في كتابه [كتاب الأسرا إلى مقام الأسرى] : ( فلم أزل أصحب الرفاق، وأجوب الآفاق، وأعمل الركاب، وأقطع اليباب، وأمتطي اليعملات، وتسرى ببساطي الذاريات، وأركب البحار، وأخرق الحجب، والأستار، في طلب علة الصورة الشريفة)(20) فهذا الكلام يستنسخ على شاكلته الغيطاني قوله : (بعد طول اتنظاري لعل وعسى، بعد هيهات، قررت الخوض في بحر البداية، لم أخشى الغرق، ولم أرهب الليل،، أبحرت وطال إبحاري، لقطع المسافات في البحر زمن يخالف زمن البر، فكيف الحال في التجليات، حيث تتجاوز وتتضفر البدايات والنهايات، لم أدر كم انقضى عندما تجلت مدينة يغمرها الضوء الهادئ، يلفها البحر كما يلف البياض صفار البيضة)(21) .
يقول الشيخ ابن عربي (قال السالك خرجت من بلاد الأندلس، أريد بيت المقدس، وقد اتخذت الإسلام جوادا، والمجاهدة مهادا، والتوكل زادا، وسرت على سواء الطريق، أبحث عن أهل الجود والتحقيق، رجاء أن اتبرز في صدر ذلك الفريق)(22) ويقول الغيطاني (سريت في النور الأخضر، وفي زمن الزهور المرجو، فرأيت نفسي أخرج من مدينة رباط الجميل عند شاطئ المحيط، أرحل، وأعبر الحدود بلا راد أو مانع، دخلت سيناء الأبدية)(23) .
يقول ابن عربي (فقلت ما وراءك يا عصام، قال وجود ليس له انصرام، قلت من أين وضح الراكب قال : من عند رأس الحاجب، قلت له ما الذي دعاك إلى الخروج، قال الذي دعاك إلى طلب الولوج، قلت له أنا طالب مفقود، قال وأنا داع إلى الوجود)(24) ويقول الغيطاني (عندما رنت إلى رئيسة الديوان.. ما وراءك يا جمال ؟ قلت : وجود محدود، ورغبة في وجود غير محدود. قالت : ما الذي دعاك إلى الخروج ؟ قلت : حيرتي، وألمي، ورغبتي في الولوج)(25)
لذا جاء هذا العمل على شكل معراج روحي فني أدبي، حيث أن صاحبها استمد ذلك من معراج الشيخ ابن عربي في كتابه [كتاب الاسرا إلى مقام الأسرى] فهذا الكتاب هو الأصل المركزي الذي يمتح منه الغيطاني عمله ولكن بصورة أخرى أي معراج أدبي، فحادثة [الإسراء والمعراج] في النسق الثقافي الإسلامي قد انطوت (على ما هو خارق ومعجز فوجد فيها الأدباء ضالتهم إذ فيها من الغرابة والعجب والتشويق ما يشبع نهم الإنسان للاتصال بالعالم الآخر الذي يحن إليه باستمرار منذ بدء خلقه)(26) ومن الأدباء العرب جمال الغيطاني الذي أراد من خلال تجلياته ولوج عوالم الغيب من أجل فتحت فسحة أمل لنفسه يتنفس من خلالها لتخفيف من ويلات الواقع العربي المر.
وما يمكن قوله في الأخير هو أن أهمية نص التجليات يكمن في أنه يلبي تلك الرغبة المضمرة التي تدفع الذات العربية إلى التمسك بالجانب الروحي الذي يحكم مشاعر واحساسات هذه الأمة، وهو ما أفصح عنه بطل رواية (الموت في الزمن الضائع) ليوسف نور عوض عندما قال : (نحن قوم نؤمن بالكرامات. تراثنا تاريخ الأولياء والصالحين، نؤمن بالتصوف، ونافذة النبوة التي تكشف عن المخبـوء في عالم الغيـوب. هي ملجأنا وخلاصنا من العسـف والضيق والإرهاب)(27). فمثل هذا الخطاب المسكون بالنفحات الروحية، والمتشبع بالتراث الصوفي، هو في حقيقة الأمر، الخطاب الذي يعبر عن ما يجول في داخل الضمير الجمعي العربي، خطاب ما زال يعيش بيننا، نتشبث به ولا نريده أن يغيب عن أذهاننا لأننا في حاجة إليه في كل يوم لمواجهة شقاء الحياة، بعد أن يئس الفرد العربي من تلك المشاريع، التي يسمعها قولا ولا يراها فعلا، وبعد أن أعياه الانتظار من تحقيق حلم وعد به منذ سنوات طوال حتى أصبح يستعذب الأحلام لأنها تخفف من همومه، وتجعله يعيش ما لم يتحقق له في الواقع، وتلك حقيقة معاشة تعبر عن ما يختزن في الضمير الجمعي للإنسان العربي. من هنا وجد التراث الصوفي طريقه إلى النص الأدبي ليس كمعرفة جديدة وإنما كبعد روحي كان الفرد العربي في حاجة إلى الاحتماء به، ففي ذلك الزخم المعرفي الصوفي سيجد المتلقي العربي عزاءه مما هو فيه من تخلف وقهر ومصادرة للحرية والكرامة. وتظاهر النص بتعلق الراوي بأبيه لا يعني بأن تلك هي مقاصده فقد (يتظاهر كل نص بتأكيد معنى إيجابي معين، ولكنه يسوق خلسة معنى آخر قد يكون سلبيا، يظل خفيا في داخله).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :
1ـ فؤاد أبو منصور: النقد البنيوي الحديث، دار الجيل ط1/1985 بيروت، ص 336
2ـ عز الدين إسماعيل : الشعر في إطار العصر الحديث، دار العودة 1976 بيروت، ص 19
3ـ جمال مقابلة بين الدين والأدب ـ الخيال والمثال، مجلة الكلمة عدد 23/1999 ص 76
4ـ صلاح عبد الصبور: حياتي في الشعر، دار اقرأ 1992 بيروت، ص 121
5ـ عبد الحميد جيدة : الاتجاهات الجديدة في الشعر العربي المعاصر، ص 98
6ـ صلاح عبد الصبور: حياتي في الشعر، ص 165
7ـ مصطفى عبد الغني : نجيب محفوظ الثورة والتصوف، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ص 126
8ـ م.ن، ص 128
9ـ محمود أمين العالم : أربعـون عاما من النقد التطبيقي، دار المستقبـل 1994 القاهرة، ص 142
10ـ روبز شولز: السيمياء والتأويل، تر. سعيد الغانمي، المؤسسة العربية للدراسات ط1، 94، ص 68
11ـ أبو حيان التوحيدي : الإمتاع والمؤانسة، سلسلة الأنيس 1989 الجزائر، ص 153
12ـ جمال الغيطاني : كتاب التجليات، الأسفار الثلاثة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1997، ص 7
13ـ م.ن، ص 6
14ـ م.ن، ص 27
15ـ م.ن، ص 18
16ـ محمود أمين العالم : أربعون عاما من النقد التطبيقي، ص 148
17ـ أبو حامد الغزالي : كتاب الإملاء في إشكالات الإحياء دار المعرفة بيروت، ص 16
18ـ الشيخ ابن عربي : كتاب الأسفار عن نتائج الأسفار، حيدر آباد ط1، 1948، ص 3
19ـ جمال الغيطاني : التجليات، ص 5
20ـ الشيخ ابن عربي : كتاب الاسرا إلى مقام الأسرى، حيدر آباد الدكن، 1948، ص 3
21ـ جمال الغيطاني : التجليات، ص 30
22ـ الشيخ ابن عربي : كتاب الاسرا إلى مقام الأسرى، ص 3
23ـ جمال الغيطاني : التجليات، ص 14
24ـ الشيخ ابن عربي : كتاب الاسرا إلى مقام الأسرى، ص 3
25ـ جمال الغيطاني : التجليات، ص 37
26ـ جمال مقابلة بين الدين والأدب، ص 76
27- يوسف نور عوض : الموت في الزمن الضائع الثلاثية السودانية، مطتبة مدبولي 1991 القاهرة، ص 110

المصدر: موقع حوليات التراث
http://annales.univ-mosta.dz/texte/ap02/01ouednani.htm

النص وسؤال المنهج

النص وسؤال المنهج
قراءة في فكر محمد مصايف النقدي
النص وسؤال المنهج:
إذا كان المنهج في تعريفه المتداول يتمثل في مجموعة من المفاهيم والتصورات المتصلة والأدوات والخطوات الإجرائية التي تفضي إلى نتيجة ما، فإنّ الإشكالية تظهر عند صعوبة ترتيبها وتنسيقها بالشكل الّذي يجعلها تؤدّي إلى النتيجة المنشودة، ولمّا كان "النّص عالم مهول من العناصر اللّغوية المتشابكة"1 فقد أضحى التعامل مع هذه المادة أشدّ تعقيدا وتداخلا -لكونها تستميّز عن الظواهر والأنساق الثقافية والمعرفية الأخرى- مما جعل الكثير من النقاد يتساءلون: هل من منهج لفهم النّص ونقده؟
من هنا تبرز هذه الإشكالية في الصراع الممتدّ بين اتجاهين اثنين: يرى الاتجاه الأوّل أن النّص الأدبي علّة لمعلول سابق ينبغي الكشف عن دلالاته بربطه بسياقه الخارجي، ويدخل في هذا المجال المنهج التاريخي والمنهج الاجتماعي والمنهج النفسي والأسطوري بينما يحاول الاتجاه الثّاني أن يدرس النّص الأدبي انطلاقا من العلاقات الداخلية التي تحكمه كالشكلانية والبنيوية والتفكيكية...
وهناك من يطمح إلى الجمع بين الاتجاهين: داخل وخارج النّص، كالبنيوية التكوينية.
يرى أصحاب التوجّه الخارج نصي أنّ "النّص متحرك مفتوح يؤثر ويتأثر، وله تفاعلاته الذاتية والموضوعية وهو أداة فنية طبقية، والإنسان كائن تاريخي زمني لا تزامني، وهو بهذا المعنى يسهم (من خلال الأدب وغيره) في تشكيل العالم وتفسيره وفق الشرط التاريخي والقوانين الاجتماعية التاريخية التي تتحكّم بصيرورة العالم، فالنص متغيّر وكذا الإنسان والعالم2. ومن واجب المبدع أن يرصد هذا الواقع رصدا آليا، ذلك على أساس أنّ الكتابة الأدبية ليست حقيقتها إلاّ امتداداً للمجتمع الّذي تَكْتُب عنه، وتُكْتَب فيه معا. كما أنها ليست، نتيجة لذلك، إلاّ عكسا أمينا لكلّ الآمال والآلام التي تصطرع لدى النّاس في ذلك المجتمع3. هذا الموقف يجعل العلاقة بين النصّ والواقع علاقة تناظر أو علاقة انعكاس وبذلك تلغى إبداعية النصّ وتحيله من إنتاج فنّي متميّز إلى ظاهرة اجتماعية تخضع لقوانين المجتمع مثل كلّ الظواهر الاجتماعية التي لها طابع مادّي أو نفعي آني بظهر هذا معارضة هؤلاء للواقعية الرومانسية في تمجيدها للذّات المبدعة وحشرهم للنّص في إطاره ألمضموني وإغفالهم لإطاره اللّغوي في حين أن الفنّ "ليس انعكاسا سلبيا بل هو إسهام في التعرّف على الواقع وأداة شحنة وسلاح لتغييره... إنّ الواقع يبدو في الفن أكثر غنى من حقيقته الواقعة لأنّ الفنّ لا يقف عند الواقع في معطياته الخارجية المباشرة إنّما يتخّطى هذه المعطيات إلى إدراك جديدها فيبدو الواقع في صورة جديدة له صورته الفنيّة وهذه الصورة الفنيّة أكثر اكتمالا من أصلها لأنّها تلمّ ما بدا مبعثرا من عناصره وتوضّح ما بدا غامضا من مغزاه. إن الفنّ وإن كان ما مصدره الواقع إلاّ أنه يتجاوز الماثل في الواقع إلى اكتمال ما يشوبه من المثول ومن المباشرة الواقفة عند حدّ المرئيّ والملموس. فينتظم الشّوق إلى الاكتمال والحلم بما لم يقع واستشراف مستقبل آت ويتحرّر مفهوم الفني من الانعكاس السلبي. فينظم الذاتية الغنائية في وعيها بالحقيقة العيانية"3. هناك إذا علاقة ألفة بين الواقع والفنّ، علاقة جمالية تصبح فيها وظيفة الفنّ استدراك للنّقص الماثل في الواقع وإعادة للعلاقات التي تحكمه في قالب فنيّ جماليّ. هذه الملاحظات تأتي لتأكّد أنّ من مهام النّقد الأدبي "هو بيان مدى التلاحم والانسجام بين العلاقات الداخلية للنّص أي القوانين الخاصة التي تحكم الظاهرة الأدبية وعلاقتها بإطارها الخارجي أي القوانين العامة التي تحكمها، فعدم الوعي بديناميكية العلاقة الداخلية والخارجية وجدليتها يؤدّي إلى إغفال الصفات النوعية للظاهرة الأدبية، كما قد يؤدّي إلى التركيز على جانب من جوانبها، أو إغفال دلالتها إغفالاً تاما"4، وهي أمور تفضي بالضرورة إلى رؤية الظاهرة الأدبية على أنّها وثيقة تاريخية أو نفسية أو مجموعة مقالات سياسية أو النظر إليها على أنّها وحدة فنّية مستقلّة.
وبذا، فإنّ النّص لا يحقق وجوده الفعلي إلاّ إذا وضع في إطاره المرجعي وَوُعِي وعيا كليا على أنه كلّ متكامل، بحيث لا يمكن الفصل بين شكله ومضمونه.
أمّا أصحاب الاتجاه الدّاخل نصّي فيخلصون إلى أنّ النّص الأدبي "شكل مستقل، بل هو عالم قائم بذاته، ليست له علاقة مع ماهو خارج عنه وعن النسق الذي يدخل فيه، ومن أنّ دلالة الأشكال هي من النوع الوظيفي فقط. معنى هذا أنّ الأعمال الأدبية في نظر هؤلاء تكتسب دلالاتها من أشكالها في حدّ ذاتها ومن أنظمتها الداخلية"5 ومثل هذا الكلام يحيلنا إلى ما آثاره النقاد القدامى حول مسألة "اللّفظ والمعنى" وذهبوا إلى أنّ "المعاني مطروحة في الطريق يعرفها العربي والعجمي... وإنّما الشأن في إقامة الوزن، وتخيّر اللّفظ وسهولة المخرج، وكثرة الماء، وفي صحة الطّبع وجودة السبك"6 ولهذا فهم (أصحاب الداخل نصّي) ينظرون إلى النصّ الأدبي على أنه ظاهرة لغوية بالدرجة الأولى ويرفضون بذلك كل المناهج النقدية السياقية كالمنهج النفسي والتاريخي والاجتماعي والرأي عندهم أنه لا يمكن تفسير النص الأدبي اعتمادا على نفسية الكاتب وسيرته أو سيرة عصره. فمهمّة الناقد هي ولوج النّص والتركيز على قوانينه الداخلية وبنيته العميقة فالنصّ ليس "أكثر من مجموعة إمكانات لغوية تركّزت بطريقة خاصة في الاعتماد على مجموعة من الأحكام اللغوية البنيوية الرفيعة"7.
بل لا يتعدى أن يكون "مجموعة من الجمل"8 التي تخضع للوصف الصوتي والتركيبي والدلالي من أبرز ممثلي هذا الاتجاه جوليا كريستيفا (Julia Kristeva)، التي ترى أن الأدب بنية لغوية مغلقة... (وأن) العمل الأدبي ميكانيكيا آلية لغوية مفرغة من كلّ محتوى اجتماعي أو حضاري أو جمالي أي أن النصّ الأدبي جهاز لغوي بالدّرجة الأولى مغلق على ذاته (البنية الداخلية للنصّ) ومعزول على أيّ سياق اجتماعي أو تاريخي"9. نلمح أثر "علم اللّغة الّذي تزعّمه العالم السويسري فرديناند دي سوسير (Ferdinand de Saussure) حين عرف اللّغة على أنّها نظام من الإشارات وكشف عن مفهوم "البنية" وقد أعلن الكثير من المفكرين أن الباحثين في الأدب اقترفوا خطأ جسيما -من الوجهة النظرية- عندما أخذوا من علم اللّغة مصطلح البنية بشكل سطحي دون ثقافة لغوية حقيقية، فعزلوه عن جهازه، فمنذ "سوسير" ومهمّة عالم اللّغة تتمثل في أن يميّز في مختلف الوقائع اللغوية الأبنية المناسبة، أي ذات الوظيفة. وإذا كانت هناك جدوى من استعارة مفهوم البنية في النقد الأدبي فهي تتوقف على إدراك هذه الحقيقة: وهي أنه ليست كل الأبنية التي يمكن اكتشافها في العمل الأدبي مناسبة، أي ذات وظيفة فنية وجمالية في الأدب. فالبنية الماثلة في الرواية مثلا يمكن أن تشير إلى شيء في عملية الإبداع، أو سيرة المؤلف الذاتية، أو تضيف إلينا معلومات عن قصده أو ما كان يشغله وقد تكون هناك بنية أخرى ذات وظيفة تاريخية أو اجتماعية أو نفسية، أو متصلة بتاريخ الأدب والثقافة.
وكذلك ألفينا البنيويين والشكلانيين يرفضون المرجعية التاريخية جملة وتفصيلا، ويرون أن النصّ بنية ثابتة مغلقة تستوحي حركتها من داخلها دون الاكتراث بما هو خارج النص فالحركة التاريخية التي يريدون هي الحركة التي "الزمن فيها يظل زمن الأدب نفسه"10.
في هذا المفترق يبزغ لوسيان جولدمان (Lucien Goldmann) (البنيوية التكوينية) بفكره النقدي الذي يحاول أن يقف موقفا وسطا بين الاتجاهين، ففسّر النّص الأدبي انطلاقا من علاقاته الداخلية والتي تحيل إلى الجوانب الخارجية التي تحيط به وقد استمدّ جولدمان مفاهيمه النّظرية من الماركسية ومن النتائج التي توصّل إليها "جان بياجيه". يعطي جولدمان التركيب النظري الّذي وصل إليه اسم: "البنيوية التكوينية" قوامها فرضية نظرية أساسية، "ترى في كل سلوك إنساني، مهما تعددت مواقعه، إجابة دالة على موقف معين، غايته إقامة توازن بين الذات الفاعلة والموضوع الذي تتوجّه إليه. وهذا التوازن هو الّذي يفسّر العلاقة بين العمل الأدبي والعناصر المكوّنة، بقدر ما يشرك العلاقة بين الوعي الفردي والوعي الجماعي، في علاقتهما بالعمل الأدبي، اعتمادا على مبدأ تناظر البنى العقلانية، الموحد بين العمل والجماعة التي يعبر عنها"11. وقد أخذ جولدمان بفكرة "لوكاتش" G.LUKAC'S حول "الرؤية الكلية" وطوّرها إلى ما يعرف بفكرة "رؤية العالم" Vision du Monde التي تقوم على الربط بين البنية الدالة الصغرى (النّص) والبنية الدالة الكبرى (المجتمع) أي بنية الوعي المرجعية الخاصة بالنّص الأدبي، وقد توسّع في فكرة الوعي وتوصّل إلى أنماط ثلاثة يوضحه المخطط التالي:
تّكاء على هذه الأنماط يطرح جولدمان خلاصة مفادها أن العمل الفني لا يعبّر عن المبدع الفرد إنّما عن المجموعات الاجتماعية.
في النهاية نصل من خلال هذا العرض أن العلاقة بين الشكل والمضمون علاقة متشابكة وأن النصّ "يوجد هويته بواسطة شفرته (أسلوبه)، ولكن هذه الهوية لا تكون بذي جدوى إلا بوجود السياق"12.
النص والمعرفة النقدية عند محمد مصايف:
إنّ النّشاط النّقدي بما هو صياغة للفعل القرائي ضمن اللّغة ووفق إكراهات النص ومرجعياته الإيديولوجية يفرض جملة من المعايـيـر الموضوعية التي تدفع الناقد إلى سجال معرفي يقوم على الكرّ و الفرّ لأنّ الدخول في الأدب "عمل يشبه حالة الفروسية فهو غزو وفتح يتّجه فيه القارئ نحو النص الذي هو المضمار له. وإذا ما كتب القارئ عن تجربته هذه مع النص فهو إذا ناقد، وما الناقد إلاّ قارئ متطوّر غزا النص وفتحه ثم أخذ يروي أحداث هذه المغامرة"13.
إنّ النّقد حالة إلتزام، إنّه إلتزام لا مصدر له سوى القراءة الواعية المتّزنة المفصولة عن كلّ مرجعية أو إنتماء وبالتالي على الناقد أن يبلور مواقفه النقدية بعيدا عن الأحكام المسبقة و بعيدا عن الأحكام التعسفية لأنّ رسالة الناقد السّامية في نظر محمد مصايف – رحمه الله - تفرض عليه "ألاّ ينفعل انفعالا غير مشروع في تناوله للآثار الأدبية عليه أن يتحلّى بالإتّزان والموضوعية والإخلاص في رسالته، وعليه أن يكون محدّد الغاية وأن يكون ملتزما التزاما واعيا "14بعيدا عن الهوى والإغراء والافتنان لأنّ الفعل القرائي الناجح محدد بحدود و مقيد بعقود، أولاها الاتزان فالأثر "الذي يتركه نص ما قد يكون سلبيا أو ايجابيا، بسبب من التوتر النفسي أو التعب الجسدي أو العكس تماما. ولهذا يمكن للقارئ أن يتهيأ تهيؤا كاملا بكليته المتوازنة الهادئة لكي يجري عملية التفاعل مع النص قائمة على المعايشة المتزنة، الموضوعية المستندة إلى العلاقات الفنية فيه بمعزل عن أي تأثّر ذاتي من أي نوع كان، دينيا أو مذهبيا أو قوميا أوجسديا أو نفسيا"15.
وثانيها الحياد والموضوعية في التعامل مع النص الأدبي ف"القارئ الدقيق، المتزن الذي يغيّب ذاتيته المسبقة- مؤقتا- وهو مقبل على قراءة نص ما يستطيع أن يدرك جوهره ويحلّق في فضائه الروحي دون أن يشوهه.وبهذا يصبح باعثا للنص محييا إيّاه لا مشوها له"16.
وثالث تلك العقود "الإخلاص" وكأن بمحمد مصايف يحاول "إرساء قواعد الموضوعية فيما يدرك بغير الموضوعية"17 كما يقول عبد السلام المسدي،لأنّ القراءة الصحيحة تشترط المعرفة التامة بسياق النص والظروف التاريخية التي أنشئ فيها.ومحمد مصايف بهذا المفهوم لا يغفل الطابع الفردي للناقد لأنّ طبيعة المنهج الأكاديمي الذي طالما دافع عنه يرى أن الذوق لازمة لايمكن للناقد أن يتهرب منها "فهذا شيء لايحصل ولو أردناه...لأن للناقد ذوقا لابد أن يتدخل في عمله بطريقة أو أخرى،ومشاعر خاصة واتجاهات عقائدية هي الجو الذي يتحرك فيه الناقد شاء أم كره،وإنما الذي أريد أن أقوله باختصار هو ألا يتسرع الناقد في الحكم على الأثر الأدبي،وان ينتظر قدر إمكانه،ظهور الخط الأساسي لهذا الأثر ظهورا كافيا"18.
وقد لامسنا هذا الطرح من خلال قراءة محمد مصايف- رحمه الله- لمحمد آل خليفة ورده على "أبي حسام" الذي جرد مبدعنا من أي ميزة شاعرية لأنّ قصائده كما رأى تخلو من خاصيتين جوهريتين العاطفة باعتبارها عنصرا مهما لإثارة التشويق بين القراء و"الشعور الذي يقوم دليلا على صدق المشاعر"فهذا نوع من " الأحكام الأدبية التي تتسم بصفة السطحية والتسرع و اللامبالاة"19 يفهم من قول محمد مصايف أن الناقد يحتل مكانا حاسما في أي تحليل أدبي ومن ثمّ لا يمكنه أن يساهم في إنتاج النص بناء على قراءة من ظاهر معناه دون الولوج إلى عوالمه للوقوف على مكنوناته فالقراءة العميقة أو الشاعرية تسعى دائما إلى الكشف عمّا هو في "باطن النص،وتقرأ فيه أبعد ممّا هو في لفظه الحاضر. وهذا ما يجعلها أقدر على تجلية حقائق التجربة الأدبية وعلى إثراء معطيات اللّغة كاكتساب حضاري إنساني قويم"20ولهذا فان الناقد ضمير أعلى لا يصوغ أحكامه استنادا إلى قناعة متسرعة لا مبالية بحركية النص و سياقه لأن"الأديب المنتج لا يحمل قلمه ليتسلى بنظم قصيد،أو كتابة قصة أو مسرحية،بل ليقول شيئا يأخذ بمجامع قلبه و يملأ عليه حياته،يشغل تفكيره الناضج،وهذا شيء يعبر عنه الأديب بأحد الفنون الأدبية المعروفة،ويتخذ لهذا التعبير أسلوبا يناسب الغاية من عمله،و يحترم الفن الذي يكتب في إطاره"21. ولهذا أيضا فهو مطالب بأن "يتأنّى في إصدار أحكامه، حتى يتأكد من صوابها، أو على الأقل من قربها من الصواب، لأنّه سيعرف من خلال النصوص التي يعرضها أنّ مئات من القراء يشاركونه في قراءة وفهم هذا النص، وأنّ لهؤلاء الحق المطلق في أن يروا رأيه أو في أن يخالفوه رأيه فيما يصدر من أحكام"22 والواقع أن ما يشير إليه محمد مصايف هو ما اصطلح عليه في نظرية القراءة بمصلح القارئ الضمني أو القارئ العليم، ذو الكفاءة والرؤية المعرفية التي تحتّم على الناقد التقيّد بأعراف الممارسات الثقافية المشتركة لدى جماعة من القراء.
إنّ إدارة الحوار مع النص بكل معانيه اللغوية والأدبية والتاريخية والسياسية لا تعني النيل منه و إنما تسعى دائما إقامة اعوجاجه و الكشف عن أسراره "نستفيد مما سلف شيئين:أولاهما هو أن الإنتاج الأدبي و الإنتاج النقدي متلازمان،وان تلازمهما مفيد للحركة الأدبية بخاصة والحركة الثقافية بعامة،وثانيهما إن رسالة الناقد لا تتمثل في هذه الشروح و التلخـيصـات و التحليلات و التبريرات...وأن رسالة الناقد لا تقل أهمية بحال من الأحوال عن الأديب.فالناقد إن كان مزودا بأسلحة الفن وكان هادفا وموضوعيا في كتاباته يضيف إلى أبعاد الأثر الأدبي أبعادا جديدة توسع من مفهومنا للحياة و المجتمع الذي نعيش فيه"23.تلك الرؤى، دفعت محمد مصايف- رحمه الله - فرض "الواقعية" كصبغة أساسية لنجاح أي عمل أدبي " والواقعية لا تعني أن يطرق الكاتب موضوعا وطنيا أو اجتماعيا بأي أسلوب كان، بل تعني قبل كل شيء أن تلبي رغبة ملحة في الجمهور وهي رغبة الفهم، والتجاوب، والهضم"23. هذه المسألة لا تخرج عمّا كان يردّده القدامى بالمقام ومقتضى الحال، فعلى المتكلّم "أن يعرف أقدار المعاني ويوازن بينها وبين أقدار المستمعين، وبين أقدار الحالات، فيجعل لكل طبقة من ذلك كلاما ولكل حالة من ذلك مقاما حتى يقسّم أقدار الكلام على أقدار المعاني ويقسّم أقدار المعاني على أقدار المقامات"24بينما تهدف العملية النقدية إلى حصر الفكرة أو العاطفة التي تبني نسيج النص و الظفر باستجابة الأديب لهذه الفكرة وصدقه في ملء الفراغات التي بثها في مضمونه النصي" ومن هنا كانت مهمة الناقد في هذا الميدان المزدوجة تتمثل في المرحلة الأولى في تحديد الفكرة أو العاطفية أو القضية السياسية التي يعالجها الأثر الفني،وفي المرحلة الثانية في معرفة ما إذا كان الأديب قد نجح في إطاره الفني العام،وفي ملء هذا الإطار بالأفكار و المشاعر المناسبة بالطريقة التي يتطلبها الفن الخاص الذي يكتب فيه الأديب.وهي مهمة من الصعوبة بمكان ولذلك يتجنبها معظم نقادنا طلبا للراحة والعافية"25.كما يرى محمد مصايف أن المزاوجة بين اللفظ والمعنى هي عقل القراءة الصحيحة فمن الخطأ أن نلتمس جماليات النص من خلال القراءة السطحية ف"مهمة الناقد في هذا الجانب لا تنحصر في الحكم على اللغة من حيث الرقة و الخشونة،أو الغرابة أو الابتذال،أو الواقعية و الخيال،بل من حيث موافقتها كما سبق للموضوع العام أولا و الأساليب المستعملة ثانيا"26.
ثمة إشكالية أخرى إذ كيف يمكن مقاربة النصوص مقاربة علمية دون الزيغ عن جادة الصواب الذي يمليه النقد الممنهج فطبيعة الأثر الأدبي تستدعي "تحديد المنهج قبل الممارسة ،لأن هذا التحديد يعصم الناقد من عشوائية مضرة،ويجعله يدرس العمل الأدبي دراسة موضوعية تعتمد على الشاهد المأخوذ من النص المدروس لا على الشاهد المقتطع من مطالعات نقدية سابقة"27.
وبعد فإنّه مهما يكن من اختلاف وتنوّع في المواقف فلمحمد مصايف-رحمه الله- كلّ الفضل في إثارة جملة من الأسئلة التي كانت لها نتائج مهمة على سيرورة النقد الأدبي في الجزائر ذلك أن الكلام عن القارئ، الناقد قد فتح الحدود الفاصلة بين الدراسة الأدبية والنظم المعرفية الأخرى.
مراجع الدراسة:
1- عبد الله محمد الغذامي، الخطيئة والتكفير -من البنيوية إلى التشريحية- (الكويت: دار سعاد الصباح، الطبعة الثالثة، 1993)، ص14.
2- شكري عزيز ماضي، من إشكاليات النقد العربي المعاصر، (بيروت: المؤسسة العربية للدراسة والنشر، الطبعة الأولى، 1997)، ص17.
3- عبد المنعم تليمة، مقدمة في نظرية الأدب، (لبنان: دار العودة، الطبعة الثانية، 1979)، ص210.
4- عبد الملك مرتاض، في نظرية النقد، (الجزائر: دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، 2002)، ص132.
5- شكري عزيز ماضي، من إشكاليات النقد العربي المعاصر، ص28.
6- عبد المالك كاجور، النص الأدبي في ضوء الاتجاهات النقدية الحديثة، في مجلة "اللّغة والأدب"، جامعة الجزائر، العدد11، 1997، ص39.
7- الجاحظ أبو عثمان عمرو بن بحر، الحيوان، تحقيق عبد السلام محمد هارون، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثالثة، 1969)، ص ص131-132.
8- موريس أبو ناضر، الألسنية والنقد الأدبي، (بيروت: دار النهار، 1978) نقلا عن شكري عزيز ماضي، ص31.
9- حسين خمري، فضاء المتخيل -مقاربات في الرواية- (الجزائر: منشورات الاختلاف، د.ط، 2002)، ص63.
10 -R.Barthes, lettres Françaises, du 02 mars 1967
نقلا عن عبد الملك مرتاض، في نظرية النقد، ص214.
11- فيصل دراج، نظرية الرواية والرواية العربية، (الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 1990)، ص51.
12- عبد الله محمد الغذامي، الخطيئة والتكفير، ص10.
13-المرجع نفسه،ص06.
14-محمد مصايف،دراسات في النقد و الأدب)الجزائر:الشركة الوطنية للنشر والتوزيع،د.ط،1981(ص18.
15-حسين جمعة،المسبارفي النقدوالأدب)دمشق:اتحادالكتاب العرب،د.ط،2003(ص42.
16-المرجع نفسه،ص43.
17- عبد السلام المسدي،الاسلوبيةوالاسلوب-نحو بديل ألسني في نقد الأدب)تونس:الدار العربية للكتاب،د.ط،1977( ص57.
18-محمد مصايف،دراسات في النقد و الأدب،ص ص13-14.
19-محمد مصايف، فصول في النقد الأدبي الجزائري الحديث)الجزائر:الشركة الوطنية للنشر و التوزيع،الطبعة الثانية،1981( ص07.
20-المرجع نفسه،ص06.
21- عبد الله محمد الغذامي، الخطيئة والتكفير،ص76.
22-محمد مصايف،دراسات في النقد و الأدب،ص11.
23- محمد مصايف، فصول في النقد الأدبي الجزائري الحديث،ص10.
24- المرجع السابق،11.
25-المرجع السابق،78.
26-الجاحظ الجاحظ أبو عثمان عمرو بن بحر، البيان و التبيين، تحقيق عبد السلام محمد هارون،ج1 (القاهرة: مكتبة الخانجي، الطبعة 5، 1985)، ص ص138-139.
27- محمد مصايف،دراسات في النقد و الأدب،ص13.
28-المرجع نفسه،ص13.
29- المرجع نفسه،ص ص25-26.

الحياة

صغيرٌ يطلبُ الكِبرا .. وشيخٌ ود لو صَغُرا وخالٍ يشتهي عملا ً.. وذو عملٍ به ضَجِرا ورب المال في تعب .. وفي تعب من افتقرا وذو الأولاد ...